أبحاث حول العمارة الأثرية في الجولان - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


أبحاث حول العمارة الأثرية في الجولان
العمارة السكنية الريفية خلال الفترة الرومانية-البيزنطية
(مواقع الفرج, نعران و خربة زعَرتا)
 تيسير الحلبي
* - 13\01\2012

لمحة جغرافيّة
تقع هضبة الجولان على الضفة الشمالية الشرقية لنهر الأردن, وتشكّل وحدة جغرافية مستقلة. يحيط بها أربعة وديان : وادي الرّقاد من الشرق, وادي الأردن (سهل الحولة وبحيرة طبريا) من الغرب, وادي سعار من الشمال ووادي اليرموك من الجنوب.
مغطاة بسيول بازلتية بسماكة تتراوح بين 200 متر في الشمال و 2 متر في الجنوب, تنحدر الهضبة من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي, من ارتفاع 1100 متر إلى 200 متر عن سطح البحر. ( صورة رقم 1 ).


1. الجغرافيا وتحديد أماكن المواقع المدروسة والمذكورة في النص.

الاستيطان, لمحة تاريخية
الفترة الهلنستية (الإغريقية) (333 – 64 قبل الميلاد) : نسبة الاستيطان ضعيفة نسبيا خلال هذه الفترة بسبب كون المنطقة حدودية بين الإمبراطورية السلوقيّة في الشمال والمملكة البطلميّة في الجنوب, ورثاء الإسكندر المقدوني, وبسبب سيطرة القبائل اليطورية على القسم الشمالي من الجولان وعلى منطقة جبل الحرمون.
بداية الفترة الرومانية (64 ق. م. – 100 ميلادي) : يُلاحَظ زيادة في عدد المواقع, عائدة للاستقرار السياسي والاقتصادي خلال فترة الملك هيرودس الكبير وورثاءه, هيرودس-فيليب, أغريبا الأول وأغريبا الثاني.
الفترة الرومانية الوسطى (100 م. – 200 م.) : استمرار في ازدياد عدد المواقع, ناتج عن القضاء على المملكة النبطيّة على يد الرومان عام 106 م.
الفترة الرومانية المتأخرة (200 م. – 330 م.) : الاستيطان يبلغ ذروته خلال هذه الفترة, خاصة خلال فترة حكم الأباطرة "الأنطونيين" في روما في القرن الثالث الميلادي التي تميزت بالاستقرار السياسي والاقتصادي.
الفترة البيزنطية ( 330 م. – 636 م.) : تحافظ نسبة الاستيطان في الجولان على مستواها السابق, لكننا نلاحظ بأن طبيعة المواقع تصبح أكثر فقرا وبساطة بسبب ازدياد عدد السكان ودخول قبائل الغساسنة من الجنوب الشرقي.

أماكن المواقع
الغالبية العظمى من المواقع الأثرية خلال الفترة الرومانية-البيزنطية تم إنشاءها بالقرب من مصدر مائي (نبع, بركة, نهر..الخ).
بنفس الوقت, نجدها مبنية فوق مرتفعات أو تلال محمية طبيعيا وذلك لاعتبارات أمنيّة ومن أجل الاستغلال الزراعي للسهول المحيطة.
بعض المواقع تم إنشاءها أيضا بالقرب من الطرق الرئيسية.

مساحة وأهمية المواقع
تتعلق مساحة وأهمية كل موقع بعدة عوامل :
• بالقرب من مصدر مائي غزير (بانياس,بيت صيدا).
• باتساع المناطق الصالحة للزراعة والرعي حول الموقع (بانياس, جملا).
• بالقرب من طريق رئيسية (بانياس, نعران, سوسيتا-هيبوس \ قلعة الحصن).
• بأهمية المكان من الناحية الإستراتيجية والأمنيّة, كإنشاء الموقع على تل مرتفع (سوسيتا-هيبوس, جملا, زعرتا)
• بوجود مكان عبادة (كمغارة الإله بان في بانياس).
وفقا لهذه العوامل, تتراوح مساحة المواقع بين 4 و 300 دونم.

التوزيع الجغرافي للمواقع
نلاحظ بأن نسبة الاستيطان في القسم الجنوبي من الجولان خلال الفترة المدروسة أهم منها في القسم الشمالي ( 60% في الجنوب مقابل 40% في الشمال).
يعود هذا الاختلاف إلى عدة عوامل : إلى المناخ الأبرد في الشمال منه في الجنوب, وإلى التضاريس الأكثر قساوة في الشمال وبالتالي إلى توفر مساحات أقل اتساعا في الشمال منها في الجنوب.

ميزات وتقنيات العمارة
مواد البناء : يشكّل البازلت المادة الأولى للبناء خلال أغلب الحقب التاريخية في الجولان. بالإضافة إلى هذه المادة, تم أيضا استعمال مواد ثانوية كالخشب وبقايا النبات والتراب والآجر.

الجدران : تم بناءها بطبقتين, خارجية وداخلية, بحجارة مشذبة جزئيا, دون استعمال الملاط. الفراغ بين الطبقتين تم ملؤه بالتراب والحصى والحجارة ذات الأحجام الصغيرة. ( صورة رقم 2 ).


2. خربة زعرتا, بيت B.

إطارات الأبواب والنوافذ تم بناءها بحجارة مصقولة ومشذبه بشكل جيد. ( صورة رقم 3 ).

3. الفرج, الحي الشمالي, بيت B.

الأسقف : أدت ندرة الخشب في القسم الجنوبي من الجولان إلى استعمال حجر البازلت في التسقيف. في هذه المنطقة تمت تغطية الأسطح ببلاطات بازلتية ذات طول أقصى يصل إلى 2,5 متر, مغطاة بطبقة ترابية بسماكة 20 - 30 سنتيمتر. في الغرف ذات المساحات الواسعة تم بناء أقواس أو أعمدة مركزية لتقليص الفتحات وحمل البلاطات البازلتية. (صور رقم 4 و 5 ).


4. الفرج, الحي الجنوبي, بيت A.


5. الفرج, الحي الشمالي, بيت B.

في القسم الشمالي من الجولان تم استعمال الخشب في التغطية. استعمال هذه المادة, خاصة خشب السنديان, يعود لوجودها بوفرة في هذه المنطقة. بالإضافة إلى ذلك, أدت هشاشة الحجر البازلتي في الشمال إلى عدم القدرة على استعماله في التسقيف. (صورة رقم 6 ).


6. التسقيف بالخشب, تقنية عمارة متبعة في الجولان حتى سنوات الـ 1950.

أنواع البيوت وفق مخططاتها
القسم الأكبر من البيوت هي بيوت صغيرة المساحة, تتراوح بين 30 و 100 م2, ذات مخطط مغلق, أي دون باحة مركزية, وتتكون من طابق واحد.
البيوت التي تتجاوز مساحتها الـ 100 م2 تم بناءها على شكل حرف " L " أو " U ", وبالتالي فهي ذات مخطط مفتوح, مزودة بباحة مركزية, وتتكون من طابقين أو ثلاثة طوابق.

وظائف البيوت
يمكن تقسيم المباني السكنية في الجولان خلال الفترة الرومانية-البيزنطية إلى أربع فئات حسب وظائفها :
1. بيت للاستعمالات والنشاطات الاقتصادية (حظيرة, مكان للأعمال المتعلقة بالزراعة أومخزن للأدوات الزراعية), (مخطط " أ ") :


مخطط " أ " : نعران, بيت E.
1. حظيرة \ مكان عمل 2. مخزن 3. باحة.

هذه الفئة من البيوت تتكون من غرفة مركزية محاطة بغرفة أوغرفتين جانبيتين. الغرفة المركزية يمكن استعمالها كحظيرة, وبنفس الوقت كمكان للأعمال الزراعية كطحن الحبوب, وصناعة الأدوات الزراعية.. الخ. هذه الغرفة تكون عادة مزودة بمعالف مبنية بموازاة الجدران. ( صورة رقم 7 ).


7. نعران, بيت E, غرفة رقم 1, معالف مبنية بين قواعد الأقواس, بموازاة الجدار الفاصل بين الغرفة رقم 1 والغرفة رقم 2.

الغرف الجانبية يمكن استعمالها كمخازن للعلف أو \ و للأدوات الزراعية, وكذلك يمكن استعمالها كحظائر مؤقتة لصغار الماشية.

2. بيت للسكن, مع قسم للنشاطات الاقتصادية :
هذه الفئة من البيوت تتكون من عدة غرف تحيط بصالة مركزية من جهتين أو من ثلاث جهات, (مخطط " ب ") :


مخطط " ب " : الفرج, الحي الشمالي, بيت B.
A. مكان عمل B. غرفة سكن محتملة C. مخزن D. حظيرة E. مخزن خارجي.

قسم من هذه الغرف مخصص للسكن وقسم آخر للنشاطات الاقتصادية (حظيرة, مكان عمل, مخزن..الخ). القسم المخصص للنشاطات الاقتصادية يتألف من طابقين ذوي ارتفاع كلي مساوِ لارتفاع الصالة المركزية. الطابق السفلي من هذا القسم يتم استعماله كحظيرة للماشية والطابق العلوي لتخزين العلف والأدوات الزراعية. الجدار الذي يفصل بين الصالة المركزية وحظيرة الماشية يكون عادة مزوّد بمعالف-طاقات مبنية ضمن الجدار نفسه. ( صورة رقم 8 ).


8. الفرج, الحي الشمالي, بيت B.

3. بيت للسكن فقط :
هذه الفئة من البيوت تتألف من نوعين :
الأول : يتكون من غرفة واحدة أو من عدة غرف متجاورة طولياٌ أو على شكل حرف " L " تحيط بباحة مركزية. (مخطط " ج ").


مخطط " ج " : خربة زعَرتا, بيت E.
1. رواق أمامي 2. إيوان \ غرفة معيشة (تريكلينيوم) 3. و 4. غرف سكن 5. باحة أمامية.

الثاني : يتكون من غرفة واحدة, تكون أحيانا مقسمة إلى قسمين أو ثلاثة أقسام. يمكن تسمية هذا النوع بالبيت-البرج نظرا لسماكة جدرانه ولصغر مساحته نسبيا ولارتفاعه الذي يصل إلى طابقين أو ثلاثة طوابق. يتواجد غالبا في المواقع الريفية المُطلّة ذات الطبيعة العسكرية ويتم استعماله كـ " برج " للمراقبة. (مخطط " د ").


مخطط " د " : خربة زعَرتا, بيت D.
1. باحة أمامية 2. إيوان 3. غرفة سكن

هذه الفئات الثلاث الأنفة الذكر من البيوت تكون في أغلب الأحيان مزوّدة بباحة أمام المنزل محاطة بجدار بارتفاع 1 إلى 1,5 متر. مساحة هذه الباحة تتجاوز دائما مساحة المنزل.

4. بيت العائلات الميسورة أو أعيان " القرية " :
هذا الفئة من البيوت تكون عادة مبنية على شكل حرف " U " و تتكون من طابقين أو ثلاثة طوابق, (مخطط " هـ ") :


مخطط " هـ " : الفرج, الحي الشمالي, بيت A.
A, B, C. غرف سكن D, I. صالات عمل E. حظيرة F. مخزن G, H, J, K. مدخل
L. باحة مركزية مع أروقة محيطة M, N, O. غرف استقبال.

الطابق الأرضي مخصص للنشاطات الاقتصادية وللإستقبال وأحيانا للسكن, والطابق أو الطوابق العلوية مخصصة للسكن فقط. كما هو الحال في البيت فئة رقم 2, الطابق الأرضي هنا يتكون من عدة غرف تحيط بباحة مركزية من جهتين أو من ثلاث جهات. قسم من هذه الغرف مخصص للنشاطات الاقتصادية ( صورة رقم 9 ), والقسم الآخر للاستقبال أو \ و للسكن. الصعود للطابق أو للطوابق العلوية في هذه الفئة من البيوت يتم من خلال درج حجري يبرز من جدار الواجهة ويشكل جزءا منها.


9. الفرج, الحي الشمالي, بيت A, الواجهة A-A. صالة العمل D, والحظيرة E.

الفئات الثلاث الأولى من البيوت هي بشكل عام ذات مخطط مغلق, أما الفئة الرابعة فهي ذات مخطط مفتوح.

استنتاج
طبيعة العمارة :
هنالك عدة عوامل كان لها تأثير كبير على طبيعة العمارة في الجولان خلال الفترة المدروسة :
• طبيعة الاقتصاد القائم بشكل أساسي على تربية الماشية وعلى الزراعة.
• عدم الاستقرار الأمني " نسبيا ", حيث أن الجولان كان دائما يشكّل منطقة حدودية بين المقاطعات الرومانية (سوريا-فينيقيا في الشمال و فلسطين في الجنوب), وبين مقاطعات الفترة البيزنطية (فينيقيا البحرية Phoenice Paralios في الشمال و فلسطين الثانية Palaestina secunda في الجنوب).
• الموقع الجغرافي, حيث أن الهضبة كانت منطقة عبور بين المدن الساحلية في الغرب (صيدا, صور, عكا, قيسارية البحرية) والمراكز الحضارية في الشرق (دمشق, فيليبوبوليس "شهبا", كاناتا "قنوات", بصرى). لقد تم توثيق عدة طرق رومانية-بيزنطية تمر عبر الجولان من الغرب إلى الشرق.

باستثناء المركزان الحضاريان "المدينتان" الأكثر أهمية في الجولان ألا وهما قيصرية فيليب (بانياس) Caesarea Philippi في أقصى الشمال وسوسيتا-هيبوس (قلعة الحصن) Sussita-Hippos في الجنوب والبعيدتان عن المنطقة الحدودية التي كانت تمر في وسط الجولان, من الشمال الغربي (دبورة) إلى الجنوب الشرقي (تل الفرس), نجد بأن أغلبية المواقع الأثرية في الجولان خلال الفترة الرومانية-البيزنطية ذات طبيعة قروية ريفية متأثرة بطبيعة الاقتصاد, بالظروف السياسية, بالأوضاع الإدارية وبالموقع الجغرافي للمنطقة.
_____________________
* طالب دكتوراه في علم الآثار, جامعة السوربون


بعض المراجع المعتَمَدة
CLAUSS-BALTY, P.
2008 : « Maisons romano byzantines dans les villages de Batanée : mission 2002-2004 », dans CLAUSS-BALTY, P. ed. Hauran III, l’habitat dans les campagnes de Syrie du sud aux époques classique et médiévale. Beyrouth. p. 41-103.

EPSTEIN, C. & URMAN, D.
1976 : « Golan », in AVI-YONAH, M. & STERN, E., ed., EAEHL, London, Jerusalem. Vol. II, p. 453-467.

HARTAL, M.
2006 : « The History of Rafid on the Background of the History of Northern Transjordan », in URMAN, D., Rafid on the Golan : A Profile of a Late Roman and Byzantine Village, BAR Int. S. 1555, Oxford. p. 269-290.

HIRSCHFELD, Y.
1995 : « The Palestinian Dwelling in the Roman-Byzantine Period », Jerusalem.

VILLENEUVE, F.
1985 : « L’économie Rurale et la Vie de Campagnes dans le Hauran Antique (Ier siècle av. J.-C. – VIIe siècle apr. J.-C.). Une Approche », dans DENTZER. J.-M. ed. Hauran I, Recherches Archéologiques sur la Syrie du Sud à l’Époque Hellénistique et Romaine. Paris. p. 98-99.



אפשטין, ק'. & גוטמן, ש'.
1972 : " הסקר ברמת הגולן" ב כוכבי, מ'. ערך. יהודה, שומרון וגולן, סקר ארכיאולוגי בשנת תשכ''ח. ירושלים. עמ'. 298-244.

הרטל, מ'.
1989 : " צפון הגולן, הסקר הארכיאולוגי כמקור לתולדות האזור " קצרין.
2005 : " ארץ היטורים. ארכיאולוגיה והיסטוריה של צפון הגולן בתקופות ההליניסטית, הרומית והביזנטית " קצרין.